أول تجربة عملية لاكتشاف دواء جديد كانت محض مصادفة

الأدوية اكتشفت منذ قديم الأزل، تشهد بذلك كل نقوش الجدران في الحضارات القديمة. لكن بعدها، طمست تلك العلوم، واندثرت ليبقى لنا فقط الرسومات شواهد على وجودها. ثم، شيئًا فشيئًا بزغ من قلب الجهل والتخلف والخرافات قبس العلم والتنوير.
في بادئ الأمر كانت الأدوية هي مجموعة من الأعشاب لا أكثر. ثم مع تقدم علوم الكيمياء والطب والصيدلة، استطاع العلماء اجراء التجارب المختلفة ليكتشفوا دواءًا جديدًا في كل مرة، فيثبتوا فاعليته، او ينكروا فائدة واحد آخر.
ولكن متى ظهرت أول محاولة بدائية لتجربة الأدوية؟!
كان ذلك في عام ١٥٣٧ م. كان الجراح الفرنسي أمبرواز باريه يعمل مع القائد مارشال ، كانت وظيفته أن يعالج جرحى الحرب. وقد كان معتادًا على استخدام نوع معين من الأدوية لمثل تلك الجروح. لكن حدث شئ اضطره لاستخدام بديل من نوع آخر.
حصل نقص شديد في الموارد، ومن ضمنها ذلك الزيت الذي يستخدمه باريه في علاج الجروح. فكّر باريه في إيجاد البديل لإسعاف أولئك المصابين. تفتّق ذهنه عن تركيبة بديلة مصنوعة من صفار البيض، مع زيت مستخلص الزهور، وقليلًا من زيت التربنتين. استخدمها بعدما نفد من عنده مخزونه من الزيت الذي اعتاد ان يستخدمه.
وعلى لسان باريه يحكي: ” لم أستطع النوم ليلتها، كنت أخشى أن استيقظ فأجد أولئك الذين استخدموا الزيت البديل قد ماتوا من ذلك السم…..”
في اليوم التالي، استيقظ باريه من فوره باكرُا ليتفقد مرضاه، وكانت المفاجأة!!!
الذين استخدموا الزيت البديل، كانوا يشعرون ببعض الألم. ولكن جروحهم كانت نظيفة، ليس بها أي التهابات أو ورم. أما المجموعة الأخرى التي استخدم معها باريه آخر مخزونه من الزيت المعتاد، قد أصاب وَرِمَت جروحهم وارتفعت درجة حرارتهم مع كثير من الألم.
مفارقة عجيبة أليس كذلك ؟؟
ربما ال”زيت البديل” الذي استخدمه باريه لم يكن السبب فعليًّا في شفاء الجروح، وقد تدخلت عوامل أخرى لا نعلمها. وربما فعلُا كان أفضل من الدواء القديم الذي اعتاده. من يدري ….
نلاحظ هنا أن باريه (وإن كان غير قاصدًا) قد قسم مرضاه إلى مجموعتين، إحداهما يستعملون الدواء القديم والأخرى تستعمل الدواء الجديد هذا يشبه ما نطبقه اليوم Control Group
أيضًا اعتمد باريه في تجربته البدائية تلك على ملاحظته الشخصية البحتة، مما نسميه Subjective

وليس objective وهذا يختلف تمامًا عن المنهج المتبع في يومنا هذا.
مع كل تلك الفوارق، لا يمكننا أن نحكم على تلك التجربة بأي شئ،( إن صحت تسميتها تجربة من الأساس)، فهي لم تتم بذلك الشكل المعروف عليه الآن والذي يجريه العلماء… ومع ذلك هي محاولة ، وبداية، وخطوة أولى ، ولكل شئ خطوته الأولى.

Leave a Reply